لايبسيغ مدينة حيوية ومنفتحة، وتعد منارة ثقافية في ألمانيا، كما أنها الأسرع نمواً فيها. وهي تحتفي بالموسيقار يوهان سباستيان باخ، الذي عاش وعمل فيها، كما تستضيف مهرجانات القوط، والمعجبين بالموسيقى الإلكترونية.
وبينما بدأت الحملة من أجل انتخابات البرلمان الأوروبي، الأحد الماضي، وكان يوماً بارداً ومشمساًَ من أيام مايو، كان وسط هذه المدينة الألمانية الشرقية الذي يعج بالحركة، أشبه بمجسم مصغر للمشهد السياسي الوطني.
آلاف النقابيين ينظمون مسيرة للاحتفال بعيد العمال، والناشط اليميني المتطرف أندري بوغنبرغ، المشهور بوصفه الألمان المنحدرين من أصول تركية، بـ«راكبي الجمال»، يجمع مجموعة صغيرة من الأنصار، وشباب على أجسامهم وشوم ويرتدون قلانس يحتشدون بالقرب من الكنيسة، حيث كان باخ مديرَ جوقة، ويهتفون بشعارات معادية للفاشية ومشجعة لأوروبا.
تقاليد لايبسيغ كمدينة منفتحة تواجه تحدياً كبيراً على خلفية موضوع الهجرة.
فعلى بعد بضعة أمتار من كنيسة سينت توماس، تتسكع مجموعات من الشباب المهاجرين الذين يشعرون بالملل خارج محطة القطار.
وكان وصولهم، إلى جانب أكثر من مليون من المهاجرين الآخرين في السنوات الأخيرة، قد أثار مشاعر استياء في شرق ألمانيا، حيث يشعر كثير من الناخبين بأن الأجانب يفضَّلون على الألمان الذين عانوا تحت النظام الشيوعي.
على الصعيد الوطني، فقدت الهجرة بريقها كموضوع انتخابي في ألمانيا. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «إي آر دي» مؤخراً أن البيئة والسيطرة على المناخ أهم موضوعين حالياً بالنسبة لمعظم الناخبين (48 في المئة). وكان الضمان الاجتماعي ثالث أكبر موضوع، تليه الهجرة في المرتبة الرابعة.
وهذا يساعد على فهم لماذا أخذ الحزبُ اليميني المتطرف الذي جعل من وقف الهجرة جزءاً أساسياً من برنامجه الانتخابي، «البديل من أجل ألمانيا»، يتراجع في استطلاعات الرأي. فقد منحت أحدث التوقعات حزبَ المستشارة أنجيلا ميركل المحافظ «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (سي دي يو) وشقيقه البافاري (سي إس يو) 30 في المئة من الأصوات، متبوعاً بـ«الخضر» بـ19 في المئة.
أما «الديمقراطيون الاجتماعيون»، الذي كانوا تقليدياً ثاني أكبر حزب، والذين يشاركون في حكومة ائتلافية مع ميركل، فقد حلوا في المرتبة الثالثة بـ17 في المئة، بينما أتى «البديل من أجل ألمانيا» في المركز الرابع بـ12 في المئة.
تلك هي الصورة على الصعيد الوطني. لكن في شرق ألمانيا، موطن الأحزاب القومية المناوئة للهجرة منذ إعادة التوحيد عام 1990، تبدو الصورة معكوسة إلى حد كبير. فقد ركز «البديل من أجل ألمانيا» أنظاره على البيئة، متهماً «الخضر» بالإضرار بالصناعة الألمانية، فالحزب ينكر تغير المناخ، ويعارض مزارع الرياح، ويشجع استخدام الفحم. لكنه سعى بشكل رئيسي إلى جعل الانتخابات الأوروبية استفتاءً على الهجرة. وهذا لقى صدى أفضل في شرق ألمانيا منه في أماكن أخرى من البلاد. فهنا تصدّر «البديل من أجل ألمانيا» توقعات استطلاعات الرأي بـ23 في المئة، متقدماً بنقطة على «سي دي يو»/ «سي إس يو». وبعد ذلك يأتي «حزب اليسار»، و«الديمقراطيون الاجتماعيون»، و«الخضر». ويقول جيرو نوجبوار، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الحرة في برلين: «حالياً هناك شعور بأن الشرق محروم من بعض الأشياء على نحو ما، وبأن ذالك الحرمان ينبغي أن يزول»، مضيفاً: «لكن الشعور السائد هو أنه لا تتم إزالته لأن المال يُمنح للأجانب أولاً». ويضيف نوجبوار: «رغم سمعتها كمدينة تقدمية، فإن لايبسيغ ليست محصنة من مشاعر التذكر والاستياء هذه».
ويذكر أن 20 في المئة فقط من الناخبين الألمان يعيش في ألمانيا الشرقية السابقة، وهي حقيقة ستخفف من تأثير النجاح المتوقع لـ«البديل من أجل ألمانيا» في هذا الجزء من البلاد. لكن هذا لم يمنع منافسيه من تركيز نيرانهم على رسالته القومية في محاولة لكبح جاذبيته.
«لقد حان الأوان كي نعيد أعداء الديمقراطية إلى صناديقهم»، هكذا قال زعيم الاتحاد العمالي رينر هوفمان لتجمعه في عيد العمال، مضيفاً: «وفي كل يوم تُظهرون لنا كيف يتم ذلك في مدينة لايبسيغ، مدينة معارض تجارية منفتحة على العالم». رأي تتفق معه أنالينا بيربوك، التي تعد من مؤسسي حزب «الخضر» الصاعد من جديد: «هذه الانتخابات الأوروبية.. هي انتخابات تتعلق بديمقراطيتنا».
صورة لايبسيغ كمدينة منفتحة جعلتها محطة جذابة ضمن محطات حملة رأس قائمة «الديمقراطيين الاجتماعيين»، كاتارينا بارلي، التي تشغل حالياً منصب وزيرة العدل الألمانية. لقد أتت إلى المدينة نهاية الأسبوع الماضي، قائلة إنها «أوروبية إلى أقصى حد ممكن». فالسياسية المولودة في مدينة كولونيا نصفها بريطاني ونصفها ألماني، كما أنها كانت متزوجة من رجل إسباني من أصل هولندي.
وفي خطابها أمام حشد من الأنصار، انتقدت بارلي «البديلَ من أجل ألمانيا» القومي، وتساءلت: «هل نريد أوروبا تتخذ قرارات موحدة وحلولاً مبنية على التوافقات، أم نريد أوروبا حيث يضع الجميع بلده أولاً، ولا يكترث لما يحدث في أماكن أخرى؟». لايبسيغ، بتاريخها الخاص وفّرت جمهوراً متعاطفاً مع هذا النوع من الخطاب.
وفي نهاية الأسبوع نفسه، شارك قرابة 10 آلاف شخص، معظمهم من الشباب، في تجمع رفع شعار «أوروبا واحدة للجميع: صوتك ضد القومية المتعصبة». غير أنه من غير المعروف ما إن كان هذا الصوت سيلقى صدى في بقية شرق ألمانيا في الانتخابات القادمة.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»